عبد الرحيم محمود.. فارس الوطن.. فارس القصيدة
تأليف: د. يوسف حطيني
الناشر: مؤسسة فلسطين للثقافة
تصميم الغلاف والإخراج: م. جمال الأبطح
جاء في المقدمة
هل ثمة شاعر يمكن أن يكتب قصيدةً فائقة الجمال تخلّد نضال ثورة من ثورات الشعوب؟
وهل ثمة مناضل يمكن أن يختزل القصائد كلها في دمٍ أراقه على مذبح هذه الثورة؟
إذا وُجد مثل هذا الشاعر، وقد وُجد في ثورتنا الفلسطينية، فإنه يمثل أنبل ما يمكن أن ينجزه المبدِع الذي يعيش قضيته.
وإذا وُجد مثل هذا المناضل -وقد وُجد في ثورتنا الفلسطينية- فإنّه يبلغ من الخلود غايته النبيلة، ومن المجد ذروته السامقة.
ولكن!
ماذا يمكن أن يقول الخلود؟ وكيف يمكن أن يصف المجد رجلاً جمع الأمرين معاً، إذ كتب قصيدة الثورة بدمه، وسقى تراب فلسطين أعذب القصائد؟
إنّه عبد الرحيم محمود، ذلك الشاعر الذي حفظنا، منذ نعومة أظفارنا، بيتيه الشهيرين:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرُّ الصـديقَ وإمّا ممـاتٌ يغيظ العدى
ترى: بمَ يعلل أصحاب علم النفس الأدبي والاجتماعي هذه الظاهرة:
أن يحفظ جيل كامل من الأطفال بيتين من شعر الثورة، دون قسرٍ من أحد، قبل أن يعرفوا كنه الشعر؟ وقبل أن يدركوا حقيقة الثورة؟
حين يقرأ المرء عن فكرة الالتزام في الأدب تقفز إلى خاطره نماذج كثيرة في الأدب، وحين يبحث عن شعراء جسّدوا قصائدهم فكرة والتزاماً تقلُّ هذه النماذج، غير أني الآن أستحضر حكاية مقتل المتنبي الذي قتله بيت شعره المشهور:
الخيلُ والليـل والبيـداء تعرفني والسيف والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
أستحضر هذه الحكاية التي تعني، إنْ صحَّت، أنَّ المرء يمكن أن يموت في سبيل كلمة قالها، من أجل أن يحقق كيانه الفردي، وهذا ما فعله شاعرنا الشهيد عبد الرحيم محمود الذي لم يكتفِ بالوفاء لبيت قاله، بل بقي وفياً لقصائد كان يبحث عن تجسيدها عبر الشهادة، من أجل تحقيق ذوبان الذات في تحقيق الإرادة الجمعية للشعب العربي المكافح، ونجح في ذلك نجاحاً باهراً، بعد أن بحث عن تحقيق هذا الحلم، من خلال تنقله بين فلسطين والعراق، ومن خلال تدرُّبه في الشام على السلاح، ومن خلال سقوطه في ساحة الوغى عام 1948 قبل أن تسقط البلاد في أسر الاحتلال الصهيوني.