[
تبدأ قصة الفيلم الوثائقي «إلى أبي»، بعد ثلاثة عشر عاما من النكبة، بعدما ولد المخرج عبد السلام شحادة في المدينة الحدودية رفح، جنوب قطاع غزة ....." أيام صور الأسود والأبيض ".
من هنا كانت بداية الفيلم الذي حمل عنوانه إهداء المخرج، حيث يروي المخرج عبد السلام شحادة ذكريات طفولته وارتباطه بالصورة والكاميرا ذات الصندوق الخشبي التي يضع المصور رأسه تحت غطائها القماشي ليلتقط الصورة.
يحكي الفيلم قصة الصورة الفلسطينية منذ الستينيات، بعدما تحول اللاجئون الفلسطينيون إلى «ذكريات وصور»، بعد عام 1948، فالمخرج عبد السلام لا يزال يذكر كيف كان ينتظر المصور «إبراهيم حرب»، وهو من أوائل المصورين في رفح، مع زملائه في المدرسة ليصورهم كعادته، فيرتبهم بحسب الطول، لتتوالى صورهم في الفيلم وهم يضحكون ملتفين أمام الكاميرا، إضافة للعديد من الصور التي يظهر فيها المخرج مع أصدقائه في أيام الصبا.
الفيلم يحمل بمشاهده حنين الماضي و حميمية الذاكرة لأيام زمان، عندما كانت الصورة لا تزال بالأسود والأبيض، عندما بدأت كاميرا «الحاج سلامة»، تستهوي المخرج، لتنتقل كاميرا المخرج في الفيلم إلى استديو ذكرياته الذي تعلم فيه التصوير، استديو المصور «الحاج سلامة» والذي لا يزال يحتفظ بكاميرته القديمة، وبعض الصور الجميلة المعلقة، غير أن الحاج سلامة لم يعد للتصوير بعدما أنهكته السنوات، مستذكرا الصور الجميلة.
ويتواصل السرد في الفيلم، من ذكريات المخرج في طفولته، عندما كانت تنتشر في المخيم صور لعبد الناصر وعبد الحليم وأم كلثوم، لينتقل إلى تغيرات المجتمع الفلسطيني، «فالصورة كانت في الماضي أجمل، والعيون كذلك.. كانت أجمل، فرغم أن العيون أصبحت ملونة كما الصورة، فإنها لم تعد جميلة».
ومن ثم يتطرق المخرج عبد السلام إلى بعض الأحداث التاريخية، وما تعرض له قطاع غزة نتيجة حرب 67، عندما انقلبت الحياة رأسا على عقب، واختلفت معالم الصورة أيضا، بعد احتلال القطاع، فلم تعد الصورة دافئة بالحب والابتسامات والذكريات الجميلة، بل أصبحت آنية وشخصية، حيث بدأت قوات الاحتلال بإصدار الهويات وقتها، فباتت الصور حزينة، مليئة بدموع الانتظار، حيث كانت وسيلة التواصل، مع الغائبين خارج القطاع بعد الحرب.
ومن ثم بدأت الصورة الفلسطينية تنتشر في الإعلام، صور القتل والضرب والاعتقال، وصور أطفال الحجارة في الانتفاضة الأولى 1987، فكانت الكاميرا قوة للفلسطيني المصور، ومقاومة أخرى، بعدما بدأ المخرج عمله كمصور فيديو.
أما عام 1993 فكانت ذكريات المخرج بانتظار السلطة الفلسطينية في رحلة العودة إلى غزة، راصدا بكاميرته العلم الفلسطيني الذي عاد ليرفرف في القطاع عندما «رفعنا العلم الفلسطيني بعدما كان ممنوعا، وأهدينا للجنود أغصان زيتون بعد أن صدقنا السلام، لكنهم لم يصدقوه»، مستذكرا ذلك الطفل الذي قتلته آخر دورية احتلالية، قبل أن ترحل عن القطاع.
لكن الاستقرار لم يستمر كثيرا، بعد أن اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000، والتي شكلت منحى آخر للصورة، فباتت الصور مرتصة فوق الجدران، صور الشهداء والأسرى في السجون الاحتلالية، ملونة وحزينة، وصور أخري للأطفال والحقائب.
الفيلم الذي يمتد إلى ما يقارب الـ 55 دقيقة، أعاد تشكيل الصور الأرشيفية بطريقة إخراجية مميزة، مقارنا الماضي بمكوناته الجميلة، التي كانت تحتوي بساطة الحياة وطيبة القلوب، بالواقع الذي افتقد للقيم الإنسانية الجميلة ومعاني الحب والتسامح، بعدما أصاب المجتمع الفلسطيني بعد الانقسام الداخلي، فالمخرج انتقد الواقع بشكل خجول نوعا ما، وبرؤية محبطة أحيانا، مع بريق للأمل في نهاية الفيلم، بوجوه الأطفال المبتسمة وطائراتهم الورقية التي تتطلع بعيون واسعة إلى سماء الحرية، حيث انطلق المخرج شحادة بأحداث وقصص الفيلم المتتالية من ذكرياته الشخصية منذ الطفولة وحتى عمله في مجال التصوير والإخراج، إلى الواقع والأماكن والتاريخ والأشخاص، الذين تغيروا، وتغيرت حياتهم وملامحهم، لتبقى صورة الماضي هي الأجمل لدي المخرج، «فأجمل ما في الصورة.. هي أنها لا تكبر عندما نكبر».
يذكر أن مهرجان العالم العربي للفيلم القصير بالمغرب، افتتح دورته العاشرة للمهرجان بالفيلم الغزي «إلى أبي»، في شهر يوليو الماضي، حيث تقدم 53 فيلماً في المسابقة الرسمية للمهرجان وتم اختيار 33 فيلماً تتوافر فيها المواصفات المطلوبة من 12دولة عربية، هي: المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق، والأردن، والسعودية، والبحرين، والكويت.